عندما توقفت الحياة: تأملات من عام الجائحة

اضطررت للتخلّي عن أسلوب الحياة الجديد الذي بدأت في اكتشافه، وأصبح العالم مظلمًا ومخيفًا!

استيقظت في أحد الأيّام في شهر مارس من 2020، ذهبت إلى العمل، صببت قهوتي، وبدأت فقرتي الصباحية بأن أتصفّح تويتر (في ذاك الوقت)، فوجدت بعض المقاطع المنتشرة في الصين، لأشخاص يعانون على قارعة الطريق، يسقطون من تلقاء أنفسهم ويموتون، وأناس محبوسون في بيوتهم، خائفون من الخروج، وبعضهم يُعاني في أسوأ لحظاته، المستشفيات ممتلئة، الشوارع فارغة وكأنها مدينة أشباح.

بكل تأكيد لم أعط اهتمامًا كبيرًا للموضوع في ذلك الوقت، وقلت في نفسي، محالة أن يصل إلينا هذا الداء من الصين! اطمئن، فالحياة بخير...

مشكلتي مع 2020، هي أنها قد جاءت في وقت حرج وحسّاس جدًا، لماذا؟

تخيّل شابًا في التاسعة عشر من عمره، تخرّج توا من الثانوية، يعمل في دوام جزئي، ولم يقرّر بعد ماذا سيدرس في الجامعة، ولم يعلم حتى إلى أي جامعة سيذهب، ولكنّه جاهز لهذه الرحلة، ومتحمّس لأن يكون "طالبًا جامعيًا"

لطالما كانت الحياة الجامعية بالنسبة لي موضوعًا جادًا، وفي ذات الوقت، كانت تعطيني انطباع الشاب "الرائع" أو كما يقال في الإنجليزية "Cool Guy"، وقد يأتي هذا بسبب بعض الطلّاب الأكبر منّا سنًّا، الذين أصبحوا طلبة جامعيّين، ويأتون أحيانًا لزيارة الثانوية لكي يلقوا التحية على أساتذتهم القدامى، كنّا نراهم أكبر منّا بسنوات عديدة، على الرغم من أنهم قد يكبروننا سنة واحدة أو سنتين، ولكن بمجرّد أن نراهم، نرى بأنهم أصبحوا مختلفين عن ما كانوا عليه، وكأنهم قد أصبحوا فجأة في مكان مختلف للغاية، مستعدين لجميع مصاعب الحياة، ومستعدّون لإجابتك عن أي شيء في الحياة، فإنّهم جامعيّون!

ولكن عندما أفكّر الآن بذلك، لا أظن بأن الأمر كان بهذه الجدّية التي أهذي بها، إنما كان مجرّد منعطف في الحياة، واكبه من أراد مواكبته، وتخلّى عنه ما أراد أن يتخلّى، وأُكمِلت الحياة بكل بساطة، لكن هذا بالضبط ما لم يحصل معي!

لم أعلم حينها أننا سنواجه عامًا سنبقى نتذكرّه طيلة حياتنا، العام الذي شعرنا به بتهديد خطير على أنفسنا، ولم نعلم تمامًا ما سنفعل، أو ما سيحدث، وأظن أن هذا ما أثّر علي حينها، فإنّني كنت للتو اكتشف معنى أن تكون جامعيًا، وأن تصل إلى المحاضرة متأخّرًا مع كوب القهوة في يدك، وتقول للدكتور "معليش والله زحمة"، وأن تتوجّه إلى مقاهي مثل "جافا" عوضا عن البيت لكي تدرس لامتحانك، وغيرها من النشاطات المتواضعة التي كانت كالحلم بالنسبة لطالب في الثانوي.

فالشاهد، هو أنّني فجأة اضطررت للتخلّي عن أسلوب الحياة الجديد الذي بدأت في اكتشافه، وأصبح العالم مظلمًا ومخيفًا، وأصبح علينا البقاء في بيوتنا، ندرس عن بُعد … نعمل عن بُعد …نعيش عن بُعد، ونرجو بأن نبقى سالمين مُعافين.

فيبقى السؤال، ما الذي كانت ستكون عليه حياتنا لو أنّنا لم نمر بتلك الجائحة، هل كنت سأصل إلى ما وصلت إليه؟ أم أنني كُنت لأصبح أفضل؟ أم أسوء، الله أعلم.

حاولت أن أبحث عن دراسة أو مقال أو بحث عن ما تسبّبت به الجائحة من آثار على المجتمع بشكل عام، فوجدّت أحد البحوث قبل 4 سنوات من جامعة الهادي في العراق، جاء فيها التالي:

خلقت الجائحة آثار سلبية من الناحية الاجتماعية، إذ ازداد العنف الأسري وارتفعت حالات الطلاق، وغلقت المحلات التجارية مما تسبب بارتفاع نسبة الفقر والبطالة ولاسيما في المجتمعات الفقيرة نتيجة الحظر المفروض، وعلقت المدارس والجامعات وأغلقت دور العباد، بالإضافة إلى الحالة النفسية التي تعرض لها الفرد والتي لا زال يعيش هذه الحالة، فضلاً عن الوصم الاجتماعي، إلا أن لهذه الجائحة لا تخلو من آثار ايجابية إذ سادت المحبة والتقارب والود داخل الأسرة الواحدة التي عرفت كيف تستغل هذه الأزمة بصورة صحيحة، وظهر التضامن والتكامل داخل المجتمع الواجد من جهة وبين المجتمعات من جهة أخرى.

قارنت أيضًا بين ما تعرضنا إليه في 2020 وبين الجوائح التي حدثت عبر التاريخ مثل الطاعون الأسود والإنفلونزا الإسبانية وغيرهم، وقد وجدت بأن كورونا يكاد أن يكون لا شيء مقارنة بتلك الجوائح من ناحية أعداد الوفيّات والانتشار، ولكن هل ينطبق ذلك أيضًا على الأثر النفسي؟ وهل كانت الآثار "الإيجابية" لـ 2020 ملموسة؟ هل تخطّينا تلك الفترة بكل ما فيها؟ أم ما زلنا نحمل بعضًا منها إلى اليوم؟ مجددا، الله أعلم.

هل ضِعت؟ لا تقلق فكدت أنتهي، أظن بأن ما أحاول قوله هو أننّي كنت أقف على عتبة البداية لفصل جديد، لكن العالم توقّف في الوقت نفسه، ولكن لا بد من الصمود دائمًا ومواصلة العيش، ومواكبة كل ما يحدث، فلا زلت متوقّفًا هُناك؟ أم أنّك أصبحت شخصًا أفضل؟ أم أنك ببساطة … لم تتغيّر.

أزمة كوروناالدراسةالجائحةالجامعة
نشرة فراغ
نشرة فراغ

أفكار وأقوال، قد وقد لا تهمّك، ولكن قد تكون مؤنسًا لك في أوقات الفراغ، عندما لا تجد ما تلجأ إليه.